-A +A
محمد الساعد
في العشرين من يناير 1993م، دخل شاب وسيم إلى ردهات البيت الأبيض، لقد كان الرئيس (بيل كلينتون)، الذي استطاع هزيمة جورج بوش الأب، القادم من مجد عظيم، وهو الذي انتصر على الشيوعية، وهد جدار برلين، وألحق هزيمة كبرى بصدام حسين، وأعاد تحرير الكويت.
لقد كان الديموقراطيون في عز نشوتهم بهذا الشاب، لكن لم يدر في خلدهم، ولا الشعب الأمريكي، أن كلينتون ستصبح سلالة حاكمة تبدأ ببيل، وتمر إلى الزوجة هيلاري، وربما تصبح ابنتهما تشيلسي رئيسة أيضا، وما المانع، أليس (الصندوق)، هو من يحكم العلاقة بين الشعب الأمريكي واختياراته.

تشيلسي المولودة في عام 1980م، تعمل في السياسة أيضا، فهي مراسلة خاصة لـ(إن بي سي نيوز)، وتعمل في مؤسسة كلينتون، ومبادرة كلينتون العالمية، هي إذن تأتي من الدولة العميقة للولايات المتحدة الأمريكية، فلكل دولة في هذا العالم، دولة عميقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.
لو فازت هيلاري بالانتخابات لفترتين رئاسيتين، عندها ستصبح تشيلسي في الخامسة والأربعين من عمرها؛ أي مع نهاية الفترتين التي ستبدأ عام 2017م.
من يطالبون بالديموقراطية اليوم في العالم العربي، خاصة من الحزبيين «الإسلامويين»، هم غير ديموقراطيين بالأساس، وهم يتوارثون الرئاسة في أحزابهم بالتناوب، وإذا تولوا الحكم في دولة ما، فإن رئيس الوزراء يصبح رئيس جهورية، ورئيس الجمهورية ينتقل لرئيس وزراء مرة تلو مرة.
يقدمون تلك الأفكار الرومانسية للشارع العربي على أنها الحل الوحيد، بينما هي خيار إنساني من ضمن خيارات كثيرة، الديموقراطية ليست سوى أدوات يحتكم إليها المشتغلون بالسياسة للوصول إلى سدة الحكم، لكننا أكثر تطرفا في فهمها من العالم الغربي.
من يتذكر منا، أن جمال مبارك، وسيف الإسلام القذافي، كانا يطمحان أن يصبحا حاكمين في بلديهما.
ماذا لو وصل سيف وجمال للحكم، وغيرهما من بيوت الحكم، ولو على صندوق انتخابي أعرج -كما يقولون-، لربما كان حال دولهم الآن أفضل ألف مرة مما هي عليه اليوم، بدلا من حروب وتمزيق دول منهكة فاشلة متعثرة.
كانا قادمين من بيوت سياسية، وتراكم لديهما رصيد هائل من الخبرات، ولديهما أحزاب كبيرة وقائمة بالفعل.
يجب ألا ننسى أن هناك من سمم الشارع العربي «الجمهوري»، وجعله متحسسا أكثر من اللازم، عندما يحكم الابن ضمن السياق السياسي في بلده.
ها هو بيل كلينتون يعود من شباك البيت الأبيض بعدما غادره من الباب، هل سيبقى بيل في غرفة الجلوس، يسمع ويرى هيلاري تحكم العالم دون أن يكون له رأي؟؟.
نحن مستعجلون أن نصبح مثل النرويج أو السويد، دون فهم أن تلك الدول لم تصل لما هي عليه إلا بعد تجارب إنسانية معقدة، خاضتها لمئات السنين.
الغرب الذي كان ينتقد محاولات الشبان الطامحين في العالم العربي، يفعلها اليوم بشكل غربي خالص، وبلا تردد.
بوش الابن كان أول رئيس أمريكي يأتي من عائلة (حاكمة)، وها هي هيلاري قد تخلف زوجها، وربما يأتي اليوم الذي تجلس هيلاري وبيل، يحتسيان الشاي بقرب المدفأة في الغرفة الخضراء بالبيت الأبيض، يستمعان لصوت ابنتهما تشيلسي، وهي تصدر أوامر الحرب والسلام، نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية.